في عصر التكنولوجيا الرقمية، أصبحت الشفافية مطلبًا أساسيًا لضمان نزاهة المعاملات المالية حول العالم.
وسط هذا التغير المتسارع، برزت تكنولوجيا البلوكتشين كحل ثوري لإحداث نقلة نوعية في كيفية تسجيل المعلومات المالية ومراقبتها.
تتيح هذه التقنية الحديثة تخزين البيانات بطريقة آمنة وشفافة وغير قابلة للتلاعب، مما يسهم في تقليل الاحتيال المالي وخفض التكاليف المرتبطة بالمعاملات.
في هذا المقال من تكنولوتريك، سنستعرض مفهوم البلوكتشين، أساسيات عمله، وكيف أصبح أداة فعالة لتحسين الشفافية المالية في مختلف القطاعات، مدعومًا بأمثلة حقيقية من الواقع العملي.
ما هي تكنولوجيا البلوكتشين؟
تعرف تكنولوجيا البلوكتشين بشكل عام على أنها تقنية متطورة من قواعد البيانات، والتي تتيح للمستخدمين نقل أو مشاركة المعلومات والبيانات بكل شفافية داخل شبكة الأعمال مهما كان نوعها، ونحيطك علمًا بأن هذه التقنية تقوم بتخزين بلوكات البيانات ضمن مجموعات مرتبطة ببعضها البعض في سلسلة معينة، ولا ننسى أن هذه البيانات تكون متناسقة زمنيًا بشكل كامل، وعليه فإنك لن تتمكن من حذف أو تعديل أي سلسلة دون وجود توافق من قبل الشبكة.
ومن أهم استخدامات تكنولوجيا البلوكتشين هو إنشاء حسابات ثابتة وغير قابلة للتبديل أو التعديل من أجل تتبع كل أنواع الطلبات، المدفوعات، الحسابات وغيرها من المعاملات المالية الأخرى، ولا يفوتنا أن ننوه إلى أن نظام هذه التقنية يمتلك آليات مدمجة فيه، تم تصميمها خصيصًا كي تمنع إدخال أي معاملات غير مصرح بها أو مغلوطة لتجنب الوقوع في المشاكل بمختلف أنواعها.

اقرأ أيضاً: السفر الرقمي: كيف غيرت التكنولوجيا مفهوم الترحال؟
أساسيات تكنولوجيا البلوكتشين
لا شك لدينا بأن الأهمية الكبرى التي اكتسبتها تكنولوجيا البلوكتشين خلال فترة إطلاقها القصيرة لم تأت عن عبث، فهي تعتمد على مجموعة من الركائز والأساسيات التي تتمثل بما يلي:
- اللامركزية في توزيع البيانات: فهي لا تحصر بياناتها في خادم مركزي واحد فقط، بل إنها تقوم بتوزيعها على شبكة من الأجهزة (العقد)، مما يجعلها مؤمنة بشكل أكبر، بل ومقاومة لكل طرق الاختراق والتلاعب أيضًا.
- الشفافية: إذ إن كل المعاملات قد تم تسجيلها على البلوكتشين بشكل ظاهر وعلني، وبالتالي يمكن لأي شخص أن يتحقق منها بنفسه، ولكن في الوقت نفسه، فهي تحافظ على خصوصية المستخدمين والعملاء، وذلك لأنها تقوم باعتماد عناوين مشفرة بدلاً من ذكر أسمائهم الحقيقية.
- الثبات: حيث أنه بمجرد تسجيلك لأي معاملة على البلوكتشين، فإنه من المستحيل تغييرها أو حذفها، الأمر الذي يضمن سلامة البيانات بأفضل شكل، مع منع أي دخيل من التلاعب بها.
- التشفير: وذلك عبر استخدام تقنيات متقدمة في التشفير، وذلك من أجل حماية البيانات على أكمل وجه مع تأمين كافة المعاملات على البلوكتشين.
كيف تساهم البلوكتشين في تقليل الاحتيال المالي؟
في الواقع، لا تقتصر أهمية البلوكتشين على أساسياتها وتقنياتها المدمجة فقط، بل إنها تعمل بشكل فعال على تقليل عمليات الاحتيال المالي بكافة أشكالها، وذلك من خلال اتباع مجموعة من الاستراتيجيات المدروسة على نمط:
- تدقيق كافة المعاملات والصفقات المالية التي يُراد تخزينها عليها بسهولة تامة وشفافية مطلقة، مع التحقق من صلاحيتها بأفضل شكل ممكن، الأمر الذي يكشف أي نشاط احتيالي أو تخريبي محتمل.
- منع الغش أو التلاعب في البيانات المدخلة إليها، وذلك بفضل خاصية الثبات التي تمت برمجتها عليها، وبالتالي فإنه يصبح من المستحيل تغيير أو حذف أي سجل من السجلات الخاصة بالمعاملات المخزنة على البلوكتشين، مما يمنع التلاعب بالسجلات المالية بشكل تام.
- الأمان المُعزز والطبيعة اللامركزية للبلوكتشين، والتي تجعلها أكثر مقاومة لأي عملية اختراق قد تتعرض لها إذا ما تمت مقارنتها بالأنظمة المركزية الشائعة.
أثر البلوكتشين على تقليل التكاليف المالية في المعاملات
لننتقل الآن بالحديث إلى قدرة تكنولوجيا البلوكتشين وأثرها الفعال في التخفيض من كل التكاليف المرتبطة بالمعاملات والوثائق المالية مهما كان نوعها، إذ إنها تمكنك من القيام بالأمور التالية:
- إمكانية إجراء أي معاملة مالية بين الأطراف الخاصة بها بشكل مباشر، الأمر الذي يلغي الحاجة بشكل نهائي كل أنواع إلى الوسطاء مثل البنوك أو شركات معالجة الدفع، وعليه فإنه يتم تخفيض الرسوم والتقليل من الوقت اللازم لإتمام هذه المعاملات.
- القدرة على أتمتة الكثير من العمليات المالية مهما كان نمطها أو ترتيبها، على سبيل المثال معالجة أمور الدفع ووثائقه بكافة أنواعها، مع ضمان تسوية أي معاملة موجودة ضمنه، وبالتالي سوف يتم تخفيض التكاليف الإدارية المترتبة بشكل ملحوظ.
اقرأ أيضاً: ما هي الحوسبة السحابية المتنقلة وكيف تغيّر حياتنا اليومية؟
أمثلة حقيقية لتطبيقات البلوكتشين في القطاع المالي
فيما لو أردت التأكد من فعالية تقنية البلوكتشين وقدرتها الكبيرة، فإنك بلا شك بحاجة إلى معرفة أهم التطبيقات التي تمثل هذه التقنية في القطاع المالي، ومن أبرز هذه التطبيقات نذكر لكم الآتي:
الإقراض اللامركزي
حيث تسمح لك شركات الإقراض اللامركزي بالحصول على قروض تسهيلية أو حتى إقراض الأموال بشكل مباشر وسلس دون الحاجة إلى وجود أي وسيط مالي بين الطرفين على الإطلاق، أي أنها تبسط مثل هذه العمليات إلى أقل قدر ممكن.

تحويل الأموال
لاسيما على المستوى الدولي (أي الحوالات المتداولة بين عدة دول على مستوى العالم)، وذلك لأن تقنياتها تؤمن أقل تكلفة وبأسرع زمن للحوالة مهما كان حجمها أو البلد المرسل لها، مع ضمان وصولها إلى صاحبها الأصلي دون أي أخطاء في التسليم بسبب الخصوصية الكبيرة التي تعتمدها في حماية البيانات.
إدارة الأصول الرقمية
إذ يتم استخدام تقنية البلوكتشين بشكل فعال ومدروس من أجل تتبع كافة معاملات الأصول الرقمية وإدارتها على أكمل وجه، على سبيل المثال العملات المشفرة بكافة أنواعها، بالإضافة إلى الأصول غير القابلة للاستبدال أيضا.
التمويل التجاري
حيث أن العديد من أساسيات تكنولوجيا البلوكتشين يتم الاستفادة منه في تبسيط وتسهيل عمليات تمويل التجارة الدولية، مع تخفيض التكاليف المترتبة مهما بلغت، ولا ننسى تقليل الوقت اللازم لإتمامها إلى أقل قدر ممكن.
تمثل تكنولوجيا البلوكتشين نقلة نوعية في مجال المعاملات المالية، بفضل ما توفره من شفافية وثبات وأمان غير مسبوق.
من خلال تقليل الاعتماد على الوسطاء، وخفض التكاليف، وتعزيز مقاومة التلاعب والاختراق، أصبحت البلوكتشين حجر أساس للابتكار المالي المستدام.
ومع استمرار التطور التكنولوجي واعتماد هذه التقنية في مجالات أوسع، من المتوقع أن تزداد فرص بناء أنظمة مالية أكثر كفاءة، وأكثر مصداقية، وأكثر أمانًا في المستقبل.
إن الاستثمار في فهم البلوكتشين وتطبيقاته اليوم هو خطوة ذكية نحو مستقبل مالي أكثر إشراقًا.